قصة القهوة من المهد إلى المتذوق

هنا القهوة، كل حبة فيها تروي قصة، بدأت بثمَرَة سافرت عبر الزمن وعبرت حدود المحيطات حتى وصلت إلى أكوابنا،

تفنن المصنّعون في أشكالها فمنها الزجاجية و الخزفية، واليوم و مع تسارع الحياة صارت تُشرب  بأكواب ورق بني أو اكواب ورق كرافت أو اكواب القهوة الورقية وغيرها من الأشكال .

هنا قصة نبتة اختلف حول منشأها الكثير من الناس فمنهم من روى الأساطير حولها ومنهم من  تهمه النتيجة، والنتيجة تعديل المزاج

لا أحد يعلم المهد الأول لهذه الحبة بشكل دقيق، لكن الجميع يستمتع بمذاقها حلوة كانت أو مرَّة، سوداء أو شقراء،  بهال أو بمنكهات مثل الزعفران والقرنفل والزنجبيل، وتوضع هذه المنكهات في علب بلاستيك للبهارات والقهوة، لحفظها من الرطوبة و خشية من تغيير مذاقها

والبعض يحبها مع حلا، فكوب قهوة ذهبي اللون  يُقدم بُحب، وبجانبه صحون تقديم حلا ذهبية، ياله من انسجام وطقس رائع

وآخرون يفضلونها  بدون رفقة قهوة سادة فقط.

قصة القهوة، قصة مذاق ومتذوق ، وليس كل متذوق للقهوة يعرف أسرارها، فإن كنت متذوقًا للقهوة يعني أن تمتلك مهارات خاصة فبعض الشركات توظف متذوقًا خاصًّا لأنواع مختلفة من القهوة وذلك بعد خضوعه لدورات في تذوق القهوة

أما الأساطير التي نُسجت حولها فكثيرة

فهل قصة اكتشاف القهوة حقيقة أم خيال وأسطورة؟

معنى الأسطورة لغويًا :خرافة أو قصة لا أصل لها

أما العلم فيهدم الأساطير

فربما كانت القصة ضربًا من خيال، لكن الناس تناقلت أخبارها عبر الأجيال فصارت جزءًا من أصل القصة

تقول القصة : أنَّ الصوفي علي بن عمر الشاذلي حينما سافر إلى أثيوبيا لاحظ أن الطيور تتمتع بحيوية غير عادية عند تناولها التوت ” والتوت هنا إشارة إلى ثمرة القهوة على أشجارها”

موكا وأصل حبة القهوة اليمنية

أما القصة الثانية فتتحدث على أنَّ اكتشاف حبة القهوة كان على يد تلميذ الشيخ الشاذلي عمر وذلك وفقًا للوقائع القديمة المحفوظة في مخطوطة عبد القادر عمر الذي كان معروفًا بقدرته على علاج المرض من خلال الصلاة، وتحكي القصة أنه نُفي من موكا،” وموكا هي ميناء في اليمن أصل اسمه المُخا وهذا الميناء عرف فيما بعد بتصدير البن اليمني إلى أنحاء العالم ومنه انتشر اسم مُخا وتحول فيما بعد إلى موكا”

نُفي تلميذ الشيخ إلى كهف صحراوي وكان جائعًا، فمضغ الحبَّ من الشجيرات القريبة لكنه وجدها مُرَّة فحاول تحميص حب البنِّ لتحسين النكهة لكنها أصبحت صلبة ثم حاول غليها لتليين البنِّ فنتج عنه سائل بني اللون ذو رائحة عطرة، وعندما شرب منها شعر بالنشاط واستمر لعدة أيام

وصلت  قصة هذه المعجزة إلى موكا فطُلب منه العودة وأصبح قديسًا بعدها

أما موكا فيقال أنها نوع من البن بنكهة الشوكولاته وهي قريبة من طعم الكابتشينو اليوم، والتي نراها في المقاهي أو في المتنزهات يشربها الناس بأكواب كابتشينو جاهزة، مخصصة لها.

أثيوبيا وتاريخ القهوة

وتقول قصة القهوة ومن ضمن الأساطير الأولى بأنه تم اكتشاف القهوة  أولًا في أثيوبيا، وتلك القصة حدثت مع مزارع يدعى كالدي حين كان يرعى أغنامه فلاحظ أنَّ غنمة من القطيع تقفز من شدة النشاط، تتّبع هذا الراعي مسارها فوجدها تأكل من نبتة حمراء مجهولة، فجرب النبتة بنفسه فشعر بنشاط حين تناولها فقام بأخذ النبتة إلى رجال الدين في قريته، لكنهم رفضوا تجريبها وألقوها في النار فانبعثت رائحة زكية منها فغيروا رأيهم وأعجبهم المذاق وزاد نشاطهم وهكذا انتشرت من أثيوبيا إلى قرية المزارع إلى باقي القرى، فمن المرجح أن يكون أصل البن الذي نشربه اليوم كقهوة  من أثيوبيا وقد يكون من اليمن من موكا ولكن لايوجد مصادر تؤكد صحة هذا الكلام ولكنها قصة القهوة من المهد الأول إلى المتذوق اليوم

تاريخ القهوة، تاريخ يحكيه الأديب محمد غبريس في كتابه ” تاريخ القهوة العربية”

حيث تتبع قصة اكتشاف القهوة العربية ومراحل وعناصر القهوة وغاص يبحث في أصول القهوة وجذورها، وكتب عن سر انتشارها عربيًا وعالميًا وتحولها من مشروب عادي بسيط إلى تقليد عالمي إنساني مدهش، حيث أصبحت مع مرور الوقت رمزًا من رموز الكرم والضيافة ولعبت الدور الأهم في التعبير عن القيم الاجتماعية والثقافية

” هل صدف أن مررت يومًا من أمام بناء ما وتوقفت برهة من الزمن لتستمتع برائحة القهوة الزكية التي نفذت إلى أنفك رغمًا عنك؟

هذا حال عشاق القهوة بكل أنواعها بمختلف مشاربهم وانتمائهم يتفقون على عشق القهوة

ومما لاشك فيه بأن التطور طال القهوة وتحولاتها عبر الزمن ولها أنواع كما لأكوابها أشكال، فحديثًا صار هناك ورق فلتر للقهوة

قهوة وكتاب – أسرار وخفايا

القهوة كالحُب.. قليل منه لايروي وكثير منه لايُشبع،

ومن متع الدنيا جلوسك خاليًا وحيدًا سوى من قهوة وكتاب، هذا ماقاله محمود درويش وكان له الكثير من الكتابات عن القهوة وعشقه لها،

لطالما كانت القهوة ملهمًا للأدباء والرسامين والنحاتين والقراء أيضا، يلتفون حولها كلفيف الفراشات من الزهور، علاقة حُب وعشق لا تنتهي

فهاهو الشاعر أبو تمام الطائي يتغزل بالقهوة فيقول :وقهوة كوكبها يزهر، يسطع منها المسك والعنبر، وردية يحثها شادنٌ كأنها من خده تُعصر

وراح بعض الأدباء إلى عنونة كتبهم باسم القهوة

فعنوان رواية السيد حافظ ” قهوة سادة”

و ” قهوة بنكهة الفراق” لسمر سالم

أما إيمانويل كانط الفيلسوف فكان من طقوسه شرب القهوة بعد الغداء مباشرة، حتى أنَّ خادمه كان يطحن البنَّ ويغلي الماء قبل أن ينفذ صبر ايمانويل ريثما تتحضر القهوة

أما محمد بن عمر الحريري فله قول آخر في القهوة وهو عالم وشاعر إذ قال فيها :هاتها قهوة خلاصة بنٍّ مرة الذوق تدفع النوم عني، إنما النوم في الحقيقة موت، هل يُحب الموت امرؤ متهني؛

أين منها الشاي الذي ذكروه فمن الشاي ياأخا الشوق دعني

نزار قباني كان للقهوة في حياته أقوال وقصص منها : اشربي القهوة ياسيدتي فالجميلات قضاءٌ وقدر والعيون الخضر و السود قضاء وقدر.

هذه بعض أقوال الأدباء في القهوة فما رأيك أنت عزيزي القارئ؟

لماذا ارتبط شرب القهوة بالقراءة أو الكتابة أو الثقافة؟

ربما كان للأدباء تأثير في الذوق العام للناس من خلال كتاباتهم عن القهوة وعشقهم لها فهم لاشك من المؤثرين

وأعتقد أنَّ شرب القهوة عند القراءة والكتابة تساعد على الاستيقاظ والتركيز، فالأدباء والقراء يفضلون القراءة في جو هادئ والليل هو خير رفيق للهدوء لذلك يشربون القهوة خاصة في المساء، فهي طقس ومزاج لايصلح إلا بها

تأثير الفنانين وارتباط القهوة بالثقافة والسوشيال ميديا

لايمكن أن ننسى أنَّ للأغاني المسموعة او المرئية عبر التلفاز تأثير على الذوق العام ومن منا لايعرف أغنية ” بالله تصبوا هالگهوة وزيدوها هيل” للمطربة المحبوبة سميرة توفيق

ومن لم يسمع لأغاني أسمهان القديمة، وأغنية أهوى “يامين يقولي أهوى أسقيه بإيدي قهوة”

أما فيروز صديقة الصباح والقهوة حين غنت ” في قهوة ع المفرق في موقدة وفي نار”

ولاشك أن اسم المقاهي اقترن بالقهوة فلذلك سميت مقاهي

وحاليًا غزى السوشيال ميديا عمومًا صور أكواب قهوة بلاستيكية أو قهوة تُغلى على نار هادئة  بجانبها صحون حلا ذهبية، أو زجاجية  ووردة وصوت فيروز

فلا يخفى على احد تأثير السوشيال ميديا بالإنسان  من حيث ندري أو لاندري

الحقيقة أنَّ الثقافة لاترتبط بالقراءة والكتابة فقط فيمكن أن يكون الإنسان مثقفًا من خلال برامج التلفاز أو اليوتيوب أو أي برنامج تتابعه، يضيف إليك معلومة لم تكن تعلمها من قبل

ويحبها عامل البناء والموظف العادي  وطالب  الجامعة كما يحبها المثقفون بتعدد مشاربهم، ومنهم من يحبها حُلوة، فتراهم يشربونها في المان هات وفي مركباتهم  من فناجين قهوة بلاستيك وفيها محراك خشب للُسكّر

فأغلب الناس اتفقوا على حب القهوة وكلٌّ يشربها حسب مزاجه

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *