طاسيلي ناجر اللغز الغامض :
مقدمة:
طاسيلي ناجر اللغز الغامض ،تعدّدت المناظر الطبيعية الخلّابة والساحرة وتنوّعت في كل أرجاء المعمورة،
منها ما اكتُشف بكامل التفاصيل وأدّق الصور ومنها ما اكتُشف جزء منها، وبقي الجزء الآخر غامض،
إمّا لعدم معرفة العلماء والباحثين بوجودها أو لصعوبة وتعذر الوصول إلى بعض هذه المناطق الغامضة؛
مثل مثلث برمودا الذي شكّل لغزا حيّر العلماء.
وحديثنا في هذا المقال عن برمودا صحراء الجزائر، طاسيلي ناجر اللغز الآخر الذي شكّل أعجوبة من عجائب الدنيا، ونوادر المتاحف التي شكّلتها الطبيعة في العالم.
إنها جبال طاسيلي ناجر ومدينة سيفار الغريبة ماذا تعرف عن هذه الجبال؟ وهل سبق وسمعت بمدينة سيفار التي أطلق عليها اسم المدينة الضخمة المهجورة، مدينة الجن والفضائيين؟ تابع معي عزيزي القاريء هذه التدوينة التي سنتناول فيها جزء من الحقائق والاكتشافات التي توصل إليها الباحثين والعلماء والزوّار والمستكشفين.
جبال طاسيلي ناجر تمثّل قطعة أرضية شغلت العالم حتى اليوم في اكتشاف هذا الإرث التاريخي العظيم،
لاحتوائها على تضاريس وكهوف مرعبة مريبة بحقائق صادمة ذات معلومات نسبيّة معقدة،
أي زائر للمكان سيذهل من جمال الجبال ويندهش من مدينة سيفار المتواجدة داخل هذه السلسلة الجبلية الضخمة،
بحيث تنقل لنا هذه المدينة أسطورة من الرسومات الغامضة عمرها آلاف السنين ولا زالت حيّة إلى يومنا هذا،
أهمها صورة الانسان الأول المحفورة في أذهاننا.
موقع جبال الطاسيلي:
موقع جبال طاسيلي ناجر، تقع هذه السلسلة الجبلية البالغ مساحتها 72 كلم مربع،
في أقصى الجنوب الشرقي لصحراء الجزائر الكبرى بمدينة جانت بولاية إليزي مع الحدود الليبية.
وتربط هذه السلسلة الجبلية مع سلسلة تاسيلي الهقّار بولاية تمنراست، التي تمتد على نحو 500 كلم،
تظهر هذه السلسلة الجبلية من الأعلى كهضبة سوداء ضخمة جدا وسط الصحراء الجزائرية بين الكثبان الرملية
أطلق عليها لقب الغابات الصخرية الصحراوية.
معنى اسم طاسيلي ناجر:
تضاربت الآراء واختلفت الروايات حول المعنى، والقول الراجح أن معنى كلمة الطاسيلي هي الهضبة،
ناجر تعني أنها هضبة سكّان المنطقة الأصليين الذين ينتمون إلى قبيلة كيلي آجر.
تفسير آخر تعني أن تاسيلي ناجر هي هضبة الأنهار، بحيث توحي بعض الممرات والحفريات الصخرية على وجود الأنهار والمجاري المائية في القدم قبل أن تتحول إلى صحراء قاحلة.
وتفسير آخر لإبراهيم العيد تعني السلسلة الجبلية التي يغطيها السواد، والبعض يطلق عليها هضبة الثور لأن تفسير كلمة ناجر أو آجر تعني جلد الثور حسب اللهجة الطارقية.
كيف ومن ومتى اكتشفت منطقة طاسيلي ناجر؟
اكتشفت المنطقة حديثاً لكن آثاره تبدو دون شك قديمة قدم حياة الإنسان على هذا الكوكب.
قصة اكتشاف كهوف التاسيلي تعود إلى سنة 1938م وأول شخص عرف بالمكان هو الفرنسي برنان
حيث اكتشف المنطقة بمحض الصدفة وهو يعبر الحدود الجزائرية الليبية؛
وقتها وقع نظره على سلسلة جبال التاسيلي المميزة التي أبهرته بغرابتها وجمالها ودقّة الرسومات المختلفة والمتنوعة. حيوانات مألوفة وبعضها ذات أشكال غريبة وأخرى قد انقرضت.
وعلى حد تعبير برنان أن هذه المغارات والكهوف تدل على أن هذه المنطقة كانت تضج بالحياة، وليست صحراء جرداء قاحلة كما هي عليه الآن.
وعلى حسب معاينته أنها كانت منطقة ذات مسطحات مائية كبيرة وغابات كثيفة وحيوانات مختلفة.
وقد قدّم هذا الضابط للعالم آنذاك بعض الحقائق والإكتشافات لما شاهده من رسومات ونقوش ومنحوتات على صخور الكهوف والمغارات بوصف تقريبي.
ومنه بدأت شهرة هذا المكان تنتشر وتتوسع واكتسبت شهرة كبيرة واهتمام من قبل علماء الآثار والمؤرخين والباحثين حول العالم، بداية من رحلة العالم الفرنسي هرني لوت المختص بدراسة تاريخ الشعوب وذلك سنة 1956م.
حيث قام بتوثيق رحلتهم الإستكشافية لهذا المكان الذي شكّل له لغز محيّر يصعب حلّه، لما رآه من صور توحي لأفكار غريبة وسطّرها في كتابه “اكتشاف رسومات الطاسيلي” الذي سرعان ما أصبح من الكتب الأكثر مبيعا آنذاك.
لكن الرواية المتداولة تُعتبر قصة ناقصة على حد تعبير أهل المنطقة.
بحيث تجاهلت الرواية تماماً دور جبريل أبو بكر الذي ساعد الباحث هرني لوت في اكتشاف هذه الكهوف ونشرها للعالمية.
جبريل بوبكر من قبيلة الطوارق، ابن هذه المنطقة كان راعي الغنم يعبر من خلال بعض هذه الأماكن والكهوف لرعي الغنم. ولولا إلمامه وخبرته الجغرافية العميقة بالمنطقة لما تمكّن الباحث الفرنسي من الوصول إلى أماكن أكثر عمقاً داخل هذه المدينة المهجورة وتوثيق معلوماته وصوره التي استشهد بها في كتابه وذلك بسبب التضاريس الضيّقة والتي يصعب الوصول إليها دون مرشد أو سابق خبرة مع التردد على هذه الأماكن مثل جبريل أبو بكر.
الوصف التقريبي لمدينة سيفار الغامضة:
لاستحالة التوغل داخل هذه الكهوف والجبال بالسيارات؛
فهذا الأمر لم يقف حاجزاً أمام العلماء والرّحالة لاستكشاف هذه المنطقة على الإطلاق،
وذلك بمواصلة الرحلة بالسّير على الأقدام فقد استخدموا الدواب مثل الحمير والبغال في نقل الأمتعة والماء والأكل للتخييم وأخذ استراحة لازمة لمواصلة الرحلة.
لأن هذه الكهوف تشكّل ثلاث مرتفعات تقّسم على ثلاثة أيام حسب المرشدين السياحيين حتى نصل إلى المرتفع الثالث لمدينة سيفار.
والمثير للاهتمام هو أن جبال وكهوف طاسيلي ناجر تضم أكثر من 30 أف رسمة جدارية.
لكنهم لم يتمكنوا من اكتشاف سوى 20 % من إجمالي هذه الرسوم التي استطاعوا الوصول إليها،
لأن هناك بعض المناطق لم تطأها أرجل الباحثين والزّوار و المستكشفين لصعوبة الوصول إليها،
كما أن العوامل المناخية المتغيرة لعبت دوراً كبيراً في التأثير على باقي الرسومات كالرياح،
ممّا أدّى إلى إتلافها جرّاء تآكل الصخور ونحتها.
والأمر الذي يشكل الغرابة والفضول كيف تمّ رسم هذه الصور والمنحوتات؟
وبأي مادة حتى استطاعت أن تصمد طيلة هذه المدة التي تفوق أكثر من 20 ألف عام؟
المواد التي استخدمت في رسم هذه الصور:
وقيل أنه تم استخدام مسحوق بعض الأنواع من الحجارة وخلطها مع حليب البقر أو أي نوع من الأغنام والرسم بها على جداريات الكهوف والمغارات؛والبعض الآخر يتم نقشها.
كما وضّح علماء الآثار أنه قد تم استخدام ظلال الالوان المتعددة في هذه الرسومات على خلاف ما اعتاد عليه علماء الآثار خلال معاينة رسوم مشابهة؛ عادة ما يتم استخدام لون واحد للرسم على الصخور.
تعد هذه الرسومات من الاكتشافات المهمة على مرّ التاريخ الذي يعتبرها بعض العلماء تفوق في أهميتها أهمية إكتشاف مقبرة فرعون توت عنخ آمون بل وتعتبر أقدم منها بآلاف السنين.
لكونها تشكّل هذه النقوش أجساداً وتصورات غريبة كالصّحون الطائرة ومخلوقات عجيبة قد لا تكون مخلوقات أرضية، هذا إلى جانب دقّة هذه الرسومات الفائقة وتصويرها لبعض مظاهر الحياة المتقدمة كزماننا هذا.
فهناك رسومات لأشخاص يرتدون ملابس للغطس وبدلات فضائية وأشخاص على هيئة بشر يحلّقون في الهواء دون أجنحة.
إنه بالفعل أمر غريب ومرعب هذا ما دفع العلماء وكل الزائرين إلى طرح تساؤلات لم يجدوا لها إجابة.
فكيف لمجتمع بدائي أن يرسم رسومات بهذه الدّقة التي تصور هذا القدر من التطور؟
أم أن المخلوقات التي استوطنت هذه الكهوف ليست بدائية كما نظن؟
لا أحد استطاع أن يتوصل إلى إجابة مقنعة.
فذاع صيت هذه الكهوف، والرسومات بالتحديد؛ ممّا دفع الأمر لمنظمة اليونسكو إلى تصنيف جبال تاسيلي الجزائر ضمن قائمة التراث العالمي عام 1982م.
وصف صور ومنحوتات الحيوانات:
وما حيّر العلماء لهذه الدرجة وأثبت أن البشر عاشوا هنا؛ وجود صور ورسومات لحيوانات انقرضت من آلاف السنين كالديناصورات و مخلوقات غريبة مشابهة لها.
مع وجود فصائل أخرى من أنواع متعددة تشبه حيوانات وقتنا الحالي بوصف غريب،
كالنعام بأربع أرجل أو نعام برأس زرافة وأخرى لنعامة بقرون كبيرة.
ونفس التجسيد رسمت به بعض الحيوانات الأخرى من صنف المواشي والأنعام فذُكر على سبيل المثال منحوتة توضح أبقار ثنائية الرؤوس وأخرى ثلاثية ونفس الوصف بالنسبة للزرافة.
هل من المعقول أن يكون هذا ضرب من الخيال؟
أم أن حيوانات عصرنا الحالي قد تطورت؟
أم أن الروايات الشائعة القائلة بوجود الجن والفضائيين في العهد القديم صحيحة!! وأنهم هم من أحدثوا هذه الرموز؟
كلها تساؤلات عجز الكل عن إيجاد تفسير مقنع يتفق عليه الجميع،
لكنّه بالتّأكيد على حسب اتفاق جميع الباحثين والعلماء أن هذه المنطقة قد عكست الحياة في هذا المكان لممارسة نشاطاتهم المختلفة مثل الصيد وتربية الحيوانات ودليل على ذلك تواجد رسومات لأدوات الصيد كالسهام.
مشيرة إلى أن الحياة لا تكمن دون وجود عنصر الماء والأشجار في هذه المنطقة لاستمرار الحياة وقد اختفت مع تعاقب الكوارث الطبيعية على كوكب الأرض.
كل هذا وأكثر يجعل الزائر يرى أن هذه دلائل تبدو مألوفة للوهلة الأولى ولا تدعو للاستغراب، لكن مع التأمّل العميق يسرح العقل في عالم من الدهشة والغرابة؛ ويتوقف للإستيعاب والتساؤل كيف تمّ كل هذا؟!
أبرز وأهم المعلومات الشائعة عن طاسيلي ناجر ومدينة سيفار:
1-أول منطقة اكتشفت في سلسلة جبال طاسيلي ناجر هي المدينة الغامضة سيفار التي أطلق عليها مدينة الجن.
ومن أكبر المناطق بالعالم التي تسطّر النوع النادر من آثار المنحوتات الصخرية.
2-كل الزوّار والباحثين وسكان المنطقة أثبتوا أنه لا يمكن التّجول داخل هذه الكهوف كزائر لوحدك،
فلابد من وجود خبير أو مرشد سياحي لهذه المنطقة والوصول لأماكن المنحوتات المشهورة،
كرسم صورة الإله والحاشية التي تعبده والتي نقشت في إحدى هذه المغارات،
فقد روي أن ساحر دخل مع 30 شخصاً، فخرج الساحر منها وتاة البقية.
3-انقطاع سبل الإتصال وشبكة النت في هذا المنطقة.
4-أعجوبة وآية من آيات عظمة الله عز وجل جعلتها لغز محيّر في فك شفرته إلى اليوم.
5-توجد في مدينة سيفار شجرة وحيدة مسجلة ومحمية من طرف منظمة اليونسكو يطلق عليها باللهجة الطارقية اسم “تاروت” لا تنبت في مكان آخر بالعالم حسب آراء المؤرخين والباحثين معجزة ربّانية عمرها حوالي 2000 إلى 3000 سنة والمساعد في اكتشاف هذه المنطقة السيد جبريل بوبكر كان يقيم ويخيّم بقربها لرعي غنمه.
6-يقال أن الجن والفضائيين هما من أحدثوا هذه الرسومات وتركوها كدليل على وجود مخلوقات فضائية في هذه المنطقة، ومن خلال الطاقات الهائلة التي يمتلكونها أطلقت رواية التدمير الذاتي مفادها أن الشعوب التي قطنت هذه المدينة كانوا ذوي طاقات هائلة ولربما تطورات مذهلة، لذلك مختلف الاختراعات والتجارب التي قام بها أحدثت فيهم التدمير والإختفاء والحقيقة التي أخفيت عنّا ملامح هذه المدينة القديمة.
سلسلة جبال تاسيلي ناجر أكبر أسرار الكون، فسيفساء و موسوعة تاريخية ومتحف سطّر رسومات خلدّها التاريخ على مر العصور وآلاف السنين.
إنها أعجوبة من عجائب الدنيا تسافر إليها بروحك قبل جسدك ومن زار كل العالم ولم يرَ سفار كأنه لم ير شيئاً من عجائب الدنيا.
المصادر: متنوعة بتصرف.
أعزائي القرّاء يمكنكم الإطلاع على مقال تاريخ مدينة تلمسان الجزائرية وعلاقتها بالأندلس من هنا
رد واحد